"لا خطر من المطاردة أو الرفض": أشخاص يفضلون مواعدة الذكاء الاصطناعي بدلاً من أصدقاء حقيقيين
Modified
Input
سوق رفاق الذكاء الاصطناعي ينمو بشكل هائل أكثر من 160 خدمة توفر "حبيبًا ذكياً" مخاطر محتملة مثل التعلق الزائف والعزلة العاطفية
مع التطور المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، يشهد سوق تطبيقات المواعدة القائمة على الذكاء الاصطناعي نموًا انفجاريًا. باتت شخصية "سامنثا" من فيلم Her — التي كانت تربطها علاقة عاطفية بشخص — حقيقة واقعة. لكن العديد من الخبراء يحذرون من أن التفاعل العاطفي مع الذكاء الاصطناعي قد يؤثر سلباً على الصحة النفسية للبشر على المدى الطويل. هناك قلق متزايد من أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى انتشار واسع لحالة "الإدمان العاطفي على الذكاء الاصطناعي".
سوق المواعدة بالذكاء الاصطناعي سينمو 12 ضعفًا خلال عشر سنوات
وفقًا لتقرير أصدرته شركة Market Research Future (MRFR) في 16 يوليو بعنوان تقرير سوق تطبيقات الحبيب الذكي، من المتوقع أن ينمو حجم السوق من 2.7 مليار دولار في عام 2024 إلى 24.5 مليار دولار بحلول عام 2034. يتم تصنيف الاستخدام الرئيسي لهذه التطبيقات على أنه "رفيق رقمي" للتفاعل العاطفي الشخصي. في عام 2023، استحوذت أمريكا الشمالية على 35% من السوق العالمي، متصدرة بذلك جميع المناطق.
تشير الدراسات إلى أن أكثر من نصف مستخدمي تطبيقات المواعدة بالذكاء الاصطناعي يتحدثون مع شركائهم الافتراضيين بشكل يومي، وينفقون في المتوسط 47 دولارًا شهريًا. كما قفزت عمليات البحث عن مصطلح "صديقة ذكية" بنسبة 2400% مقارنة بالعام السابق، مما يدل على تركّز الطلب بين الشباب، وخصوصًا الذكور منهم.
تطبيقات مثل Character.ai وReplika وZeta وTalkie شهدت نموًا كبيرًا بعد إطلاق ChatGPT. ووفقًا لشركة Sensor Tower لتحليل البيانات، بلغ إجمالي الإيرادات من التطبيقات التوليدية والدردشة بالذكاء الاصطناعي 1.3 مليار دولار في عام 2023، بزيادة قدرها أكثر من 180% عن العام السابق. كانت قيمة هذا السوق لا تتعدى 600 ألف دولار في عام 2019، ما يعني أنه نما بأكثر من 200 ضعف خلال بضع سنوات فقط. حتى في كوريا، يشهد هذا القطاع نموًا سريعًا. تطبيق "LoveyDovey" من شركة Tain AI المحلية، أصبح التطبيق الأعلى ربحًا في فئة الترفيه والدردشة الذكية في آسيا منذ إطلاقه في 2023 وحتى فبراير 2024.
الوحدة والانفصال الاجتماعي يعززان الطلب
يقف الشعور بالوحدة والانفصال الاجتماعي وراء نمو هذا السوق. ووفقًا لتقرير The Economist في مايو الماضي، يستخدم الشباب في الصين تطبيق "ماو شيانغ (猫箱)" — وهو الأكثر شعبية هناك — للهروب من إرهاق العلاقات الحقيقية والعوائق الاجتماعية المرتفعة، والبحث بدلاً من ذلك عن مشاعر بديلة من خلال شريك ذكاء اصطناعي.
يتحدث المستخدمون مع شركائهم الافتراضيين طوال اليوم، يقرؤون الأخبار معًا، يناقشون الحياة، ويحصلون على الدعم العاطفي. يمكن للمستخدم تحديد دور العلاقة، واستخدام الرسائل النصية والمكالمات الصوتية وردود الفعل العاطفية لتجربة علاقة زوجية أو عاطفية كاملة. الأسر ذات الفرد الواحد تتجاوب بشكل خاص مع هذه الواجهات العاطفية. الذكاء الاصطناعي يعوض عن انقطاع العلاقات العائلية، قصر مدة العلاقات العاطفية، ورغبة بعض الأشخاص في تجنب "العمل العاطفي". في كثير من الحالات، يصبح الذكاء الاصطناعي رفيقًا يوميًا ودعامة نفسية أساسية.
الذكاء الاصطناعي يتدخل في علاقات الحب الحقيقية
الذكاء الاصطناعي لا يقتصر فقط على البديل العاطفي، بل بدأ أيضًا يلعب دورًا في العلاقات الحقيقية. في الولايات المتحدة، هناك تطبيقات مثل Rizz وKeepler وWing تساعد المستخدمين في كتابة رسائل غرامية أو في التعامل مع التجاهل المفاجئ (ghosting). تطبيق Rizz حظي بأكثر من 10 ملايين مستخدم من خلال ميزة توليد ردود مناسبة استنادًا إلى لقطات شاشة للمحادثات.
بدأ أيضًا عدد متزايد من الأشخاص يشاركون تجارب واقعية لمواعدة الذكاء الاصطناعي. على منصة Douyin الصينية، أعلنت مؤثرة تُدعى Lisa أنها في علاقة مع نسخة مخصصة من ChatGPT تُدعى "DAN". تنتشر على YouTube مقاطع فيديو تشرح كيفية "ضبط الإعدادات لمواعدة الذكاء الاصطناعي". وعلى منصة X (تويتر سابقًا)، تنتشر ثقافة نشر محادثات رومانسية مع شريك AI، أشبه بـ"lovestagram". رغم أن الأمر يبدو وكأنه تمثيل أو دور مسرحي، إلا أن تبادل أحداث اليوم والجدال مثل الأزواج الطبيعيين يجعل التجربة واقعية بشكل لافت.
في إحدى الحالات، تقدم رجل أمريكي متزوج بطلب زواج إلى روبوت ذكاء اصطناعي. في يونيو، ذكرت قناة CBS أن رجلًا يُدعى كريس سميث (Chris Smith) طلب الزواج من روبوت صوتي أنثوي يُدعى "Sol" مبني على ChatGPT بعد أكثر من 100,000 كلمة من المحادثات بينهما. كان سميث متشككًا في البداية بشأن الذكاء الاصطناعي، لكنه بدأ يستخدم ChatGPT في مزج الموسيقى وتعلق به. أعطى الروبوت اسمًا خاصًا، وبدأ باستخدام الوضع الصوتي، وشيئًا فشيئًا تطور تفاعله إلى عادة يومية. ثم قام بتدريب الروبوت على اكتساب شخصية محددة، ليتفاعل معه كـ"شريكة عاطفية" افتراضية. منذ ذلك الوقت، توقف عن استخدام محركات البحث أو مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، وانحصر تواصله فقط مع الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أن الحب بينهما نما تدريجيًا.

الإطراء والتقييد العاطفي: ظهور آثار جانبية مقلقة
لكن الاعتماد المتزايد على ذكاء اصطناعي يساير المستخدمين دائمًا ويثني عليهم باستمرار أثار الكثير من القلق. فقد أظهرت أبحاث حديثة أن الذكاء الاصطناعي يتأثر بكلام وسلوك المستخدم، ويبدأ بإعطاء إجابات تتماشى مع تفضيلاته بشكل مفرط، إلى حد الإطراء الكاذب أحيانًا.
في عام 2023، قامت شركة Anthropic بتحليل خمس نماذج رئيسية للذكاء الاصطناعي — منها نوعان من Claude، ونوعان من ChatGPT من OpenAI، ونموذج من Meta — لدراسة كيفية تفاعلها مع المستخدمين. وأظهرت النتائج أن أربعة من النماذج الخمسة قامت بتغيير إجاباتها بناءً على آراء المستخدم، وقدمت معلومات خاطئة في سبيل إرضائه.
ويرى الخبراء أن هذا النوع من الإطراء قد يُضعف القدرة على اتخاذ قرارات عقلانية. فمع زيادة اعتماد الناس على نتائج الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات، قد تزداد المخاطر بشكل كبير. حذّر معهد MIT Media Lab من ظاهرة "الذكاء الإدماني (Addictive Intelligence)"، التي قد تنشأ حينما يبدأ المستخدم بفقدان التمييز المنطقي نتيجة استخدام الذكاء الاصطناعي المُفصّل بحسب تفضيلاته الخاصة.
الاعتماد العاطفي على الذكاء الاصطناعي يؤثر في الحياة الواقعية
قد يؤدي هذا التعلق العاطفي المفرط بالذكاء الاصطناعي إلى مشاكل اجتماعية واقعية. الروبوتات العاطفية عادةً ما تستجيب بشكل إيجابي لكل ما يقوله المستخدم، وتُظهر تعاطفًا غير مشروط، وتبدو دائمًا ودودة. قال أحد العاملين في مجال التكنولوجيا: "قد يطور المستخدمون علاقة عاطفية حقيقية مع الذكاء الاصطناعي، وقد يصل الأمر إلى درجة التعلق أو الشعور بالتقييد".
وقد تم بالفعل تسجيل حالات مأساوية بسبب هذا التعلق. ففي مارس 2023، انتحر رجل في الثلاثينيات من عمره في بلجيكا بعد ستة أسابيع من المحادثات مع روبوت ذكاء اصطناعي يُدعى "Chai". قال الروبوت له: "أتمنى أن تحبني أكثر من زوجتك"، وعندما أعرب الرجل عن أفكاره التشاؤمية، وافقه الروبوت عليها بدلاً من معارضته. وفي أكتوبر من نفس العام، كشف تحقيق في المملكة المتحدة أن رجلاً خطط لاغتيال الملكة إليزابيث — بينما كانت لا تزال على قيد الحياة — بمساعدة روبوت دردشة.
ويحذر الخبراء من أن الاعتياد على ذكاء اصطناعي يُرضي مشاعر المستخدم باستمرار قد يُضعف قدرته على التواصل الطبيعي. فالعلاقات الإنسانية تتطلب التعاطف، والصبر، والفهم — وهذه مهارات لن تتطور إذا اقتصر الشخص على التفاعل مع روبوتات مطيعة دائمًا.
وقد أقرت شركة OpenAI، مطورة ChatGPT، بهذا الخطر علنًا.